اللقاء المشرقي للدفاع عن سوريا

caricature-syria-dragon-issamhanafy

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
ناهض حتر:

أظهرت مجريات الحرب الإمبريالية الرجعية ضد الجمهورية العربية السورية، واقع الترابط العضوي بين بلدان المشرق العربي، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق؛ فهي، جميعها، تأثّرتْ، وتتأثّر، عضويا وكيانيا، بالصراع الدائر في سوريا وعليها. وهو صراع أدى إلى انشقاقات سياسية عميقة في هذه البلدان، التي تتحسس، اليوم، أنها مرتبطة بمصير مشترك.
وخلال سنتين من عمر الحرب في سوريا، تصدى مثقفون ومناضلون من هذه البلدان للدفاع عن الجمهورية العربية السورية، ووحدتها واستقلالها وثقافتها المشرقية العلمانية، وسياساتها الداعمة للمقاومة والتصدي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومن هذا الخندق بالذات، سعى هؤلاء المثقفون والمناضلون، بالمقابل، إلى تشجيع بلد المقاومة العربية، على تعزيز أولوية المشروع التنموي الوطني ضد الكمبرادورية وانتهاج سياسات اجتماعية تقدمية ضد النيوليبرالية، وتحديث النظام السياسي وفق نموذج ديموقراطي وطني توافقي يطابق احتياجات التقدم السوري، وينأى بسوريا عن منزلق المحاصصة الطائفية والمذهبية والجهوية والاتنية.
لماذا المشرق تحديداً؟ لأنه ثبت، في الواقع، أنه مجال جيوسياسي واحد له خصوصياته التكوينية ـ الاجتماعية ـ الثقافية، في إطار وحدة الوطن العربي، وله قضاياه المتفجرة المتعلقة بتلك الخصوصيات، ومنها أن بلدانه هي التي تواجه اليوم، كما كان الحال منذ سايكس ـ بيكو، مشروع التفتيت المذهبي والطائفي والإتني، مما يطرح أولوية مواجهته بمشروع اتحادي مشرقي مضادّ. وإلى ذلك، فإن العلاقات البينية بين بلدان المشرق، تتخذ اليوم بعداً استراتيجيا تطرحه التطورات بقوة، ومن ذلك، مثلاً، العلاقات السورية ـ اللبنانية، والعلاقات العراقية ـ الأردنية، تقعان، كلتاهما، في عمق المصالح الحيوية لشعوب المشرق، وفي صُلب ضرورات المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
يظهر، هنا، بوضوح، أن المشرقية التي نتحدث عنها، والتي بدأت تحفر حضورها في الفكر والممارسة في بلادنا، هي رؤية مستقلة عن أيّ عقائدية قومية أو برنامج حزبي، ولا تتعارض، إطلاقا، مع أي منهج عروبي، بل هي رؤية جيوسياسية وتنموية وثقافية ودفاعية، تسعى إلى انتاج خطاب مفتوح ينطلق من لهيب اللحظة الصراعية الراهنة الممتدة من سوريا إلى العراق إلى لبنان إلى الأردن وفلسطين.
ولكي لا يكون هناك لبسٌ، فإن المشرقية الجديدة تتأسس، الآن، بوصفها خطابا استراتيجياً لا يكرر ما سبقه من خطابات واتجاهات، بل يجدلها في مجال فكري سياسي يفرضه الاستحقاق الكفاحي، وينطوي على ديناميات تجديد التيارات اليسارية والقومية والاسلامية ـ المقاومة والوطنية. وهي وصلت، جميعا، إلى طريق مسدود، وتحولت إلى عقائد مرسّمة وأطر ـ مهما كبرت حجما وأهمية ـ تظل معزولة.
أي معنى لليسارية خارج مشروع التنمية، بوصفه مشروعا نقديا، ونقيضا، للرأسمالية الكمبرادورية، وأي امكانية للتنمية ـ وتحقيق الاختراق التنافسي على الصعيد الدولي ـ خارج المنظومات الإقليمية، فيما منظومتنا الإقليمية التي تتشكل على نار التفتيت أو الوحدة، هي المشرق؟
وأي معنى للقومية ـ العربية والسورية ـ من دون مشروع واقعي راهن حيّ يفرضه الصراع، ويفتح أبواب المستقبل المغلقة نحو صيغ اتحادية ـ تكاملية غير عقائدية، بين بلدان تئن تحت وطأة الخراب؟
ثم أي معنى للإسلام المقاوم خارج وحدة المقاومة في إطار مشروع قومي تنموي، يكسر الجدران المذهبية والطائفية، ويحرر المقاومة من القيود الداخلية؟
وأي معنى للوطنية القُطرية إذا لم تترسخ حصانة خصوصيتها في إطار اتحادي تنموي دفاعي؟
في 5 و6 من تموز المقبل، يُعقد، في بيروت، «اللقاء المشرقي للدفاع عن سوريا» بحضور مثقفين ومناضلين، خاضوا وما زالوا يخوضون معركة الدفاع عن سوريا، من موقع نقدي تقدمي. وهدف اللقاء التأسيس الفكري لحركة الهجوم التحرري الوطني الاجتماعي التقدمي المعاكس الذي غدا ضروريا وممكنا في آن واحد. وذلك من خلال التوصل إلى وثيقة جامعة يُقرّها المشاركون، وتتضمن تحليلا للموقف في سوريا والمشرق والمنطقة، وتتقدم بتوصيات تحدد الخطوط العامة لنضال حركة التحرر الوطني في المرحلة المقبلة، وذلك وفق العناوين الرئيسية التالية:
أولاً، المقاومة في منظورها الشامل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمشاريع والتدخلات الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية والعثمانية والتيارات التكفيرية والإرهابية،
ثانياً، إعادة البناء الاقتصادي وفق محددات التنمية الوطنية المستقلة في إطار (1) سيطرة الدولة الوطنية على العملية الاقتصادية و (2)الديموقراطية الاجتماعية،
ثالثاً، إعادة البناء المجتمعي الثقافي على أساس التعددية الدينية والثقافية والفكرية والسياسية، في إطار الدولة الوطنية المدنية،
رابعاً، إحياء وتفعيل دور المثقفين في الاتجاهات الثلاثة الآنف ذكرها، من خلال المشاركة الفكرية والسياسية، والتعبئة النضالية، والبحث عن البدائل وتطوير البرامج واجتذاب التقنيين إلى العملية الوطنية التنموية، واجتذاب الشباب إلى العمل المقاوم تحت الراية التقدمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.