عون وجنبلاط تجمعهما الهواجس وتفرّقهما السياسة

aoun-joumblat

صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابتسام شديد:
هي مشيئة «القضاء والقدر» وحدها التي حملت زعيم الرابية الى دارة المختارة معزياً البيك بوفاة والدته السيدة مي جنبلاط، لكن ليست المناسبة الأليمة وحدها هي التي جعلت اللقاء يحصل، فالاتصالات كانت قائمة من اجل هذا الغرض، وكان ثمة رغبة مشتركة من البيك ومن الجنرال في إعادة ترتيب الوضع بينهما، ولاختصار القطيعة السياسية التي طالت مؤخراً، والتي ما تلبث ان تنتهي حتى تعود لتظهر من جديد.
كان اللقاء الذي حصل قبل بضعة أسابيع بين مسؤول الشوف في التيار الوطني الحر والزعيم الدرزي بمثابة «كاسحة الألغام» التي تمر في أرض المعركة لتسمح فيما بعد بتمرير العسكر والمقاتلين بعد ان تكون الأرض أصبحت آمنة وخالية من الخطر، فاللقاء وبحسب مصادر الطرفين مهد عملياً لعملية غسل القلوب بعدما تناول الجوانب الخفية في العلاقة المتأزمة منذ فترة طويلة والتي لم تشهد اي نقاش واضح وصريح على خلفية القضايا الخلافية، إلا ان ذلك الاجتماع لم يلاق أصداء بسبب التطورات الأمنية الأخيرة على الساحة الداخلية وبسبب التفجبرات والهواجس الأمنية المتنقلة، إلا انه ترك ارتياحاً عميقاً نظراً لتأثير استتباب العلاقة الآمنة بين الزعامتين على الرأي العام وفي الصفوف الداخلية للتيارين، كون التشنج بين الزعيمين يترك تداعيات لدى قواعدهما وجمهورهما، وله تداعياته في الجبل.
مؤخراً بدت الصورة الاشتراكية العونية في أبهى حلتها تقول المصادر نفسها لقاءات بين قيادات الصفين والأصدقاء، فعلى الأقل هدأت الرشقات على محاور وجبهات عدة، بعدما تراجعت قيادات الاشتراكي عن الجبهة التي فتحتها مع الرابية على خلفية قضية النازحين السوريين، بعدما اتهم الاشتراكيون جنرال الرابية بالعنصرية على خلفية مطالبته بوضع حد للنزوح السوري الى لبنان، مما تسبب بمعركة جعلت التيار الوطني الحر يعود الى حرب الجبل والى اليتامى والأرامل التي خلفتها الحروب العبثية في الجبل.
كان ذلك الهجوم الأخير قبل ان يستتب الوضع وتهدأ الجبهات، فبعدها دخلت البلاد دوامة التفجيرات من الرويس الى طرابلس، والتي فرملت مواقف الطرفين لأن ما يحصل أكثر من خطير وأكبر من التلهي في مواقف صغيرة. أدرك عون ان البلاد دخلت المرحلة الخطيرة المحظورة، فيما آثر جنبلاط إجراء مسح وتقييم دقيق يشمل ربما إعادة التموضع وتسييل علاقاته المجمدة مع بعض الأطراف في الداخل وإعادة نبض الحياة اليها.
وكان يمكن بعد فترة قصيرة تنشيط حركة الاتصالات والأصدقاء المشتركين تماشياً مع المخاطر والهواجس.. بدون شك فان ثمة ملفات كثيرة مشتركة بين الرابية والمختارة تضيف المصادر يدرك جنبلاط ايضاً أعداد النازحين السوريين في الجبل المنتقلين الى لبنان بكل مشاكلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، النائب ميشال عون سبق ودق ناقوس خطر النازحين، وبالتالي لا بد من وضع خطة عمل وتنسيق بين الطرفين تحسباً لكل التطورات والأحداث، ولهذه الأسباب اصبح من الضروري كسر الحواجز وانهاء القطيعة، ولذلك ايضاً لا بد من التعالي عن كل الخلافات الصغيرة في السياسة، او تأجيلها على الأقل لتمرير المرحلة الساخنة.
وربما قد تجمل الأيام القادمة وفق أوساط مطلعة مفاجآت ايجابية لم تكن متوقعة بين الرابية والمختارة. بالنسبة الى العديد من السياسيين ومنهم الرابية، فان وليد جنبلاط ظاهرة نادرة في السياسة اللبنانية لا مفر منها، تغيرت صورة النائب وليد جنبلاط مؤخراً، هو اليوم لا يشبه وليد جنبلاط الأمس، فالزعيم الاشتراكي لم يعد يخيف لا الأكثرية ولا المعارضة وهو متفلت من الجميع قادر على انتقاد 14 آذار و8 آذار في الوقت نفسه، فعلاقة المختارة مع معسكري 14 و8 تسير في المركب نفسه الذي يحافظ على توازنه حتى لا تقلبه او تطيح به العواصف المحلية والإقليمية العاتية.
صحيح ان التعايش بين رئيس الاصلاح والتغيير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي «صعب ومعقد». لكن هذا التعايش يصبح مقبولاً ومحكوماً في سقف معين عندما تقتضي الضرورة، والواضح ان الزعيم الاشتراكي يحمل في هذه المرحلة «الراية البيضاء» مع خصوم الأمس، فلا ينتقدهم ولا يحرجهم في إشكاليات محددة طالما ان الغاية الجنبلاطية والأهداف في مكان ومرمى آخرين، خصوصاً ان الزمن زمن التغيير والحرب التي تطرق أبواب الوطن وقد تطيح به في اي وقت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.