استقراءات لبيانات في الوساطة المصرية في سوريا

shaker-shubair

موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:

هناك عدة بيانات حقلية تستوقف المتابع حول ما يسمى بالمبادرة المصرية لحل الأزمة السورية. إضافة إلى أن هذه المعارضة لا يتعدى وجودها على الأرض أكثر من 10% من حجم ما يسيطر عليه المسلحون، مما يعني أنه لو حتى تم الاتفاق معهم، فلن يغير على الأرض كثيراً. كما أن هناك منهم من ارتبط بالعدو الصهيوني، مثل الدكتور كمال اللبواني، حيث يجرم القانون من يتصل بالعدو الصهيوني.
لقد زار الرئيس السيسي الأردن واجتمع بالعاهل الأردني. الذي كان قد زار واشنطن والرياض. كما زار مصر المبعوث الخاص لأمير قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ورئيس الديوان الملكي السعودي خالد بن عبدالعزيز التويجري، واجتمعا بالرئيس السيسي. السعودية أنزلت سقف مطالبها فبدلا من تغيير النظام تريد فقط تغييرالرئيس بشار برئيس آخر، بل وتركوا له أن يسميه، وسيقبلون حتى لو كان ابن عمه!
في نفس الوقت لم تغير مصر السيسي من مواقف مصر مرسي العدائية تجاه سوريا؛ سواء في العلاقات الثنائية المباشرة أو العلاقات من خلال الجامعة العربية. الجامعة العربية دخلت طرفا ـ وبشكل مباشر – في الفتنة على أرض الشام، أي أنه لم يبد أي بادرة أو تحرك للتنصل منها أو اتخاد خطوات عملية في هذا الاتجاه لتوازن التحرك في الاتجاه الآخر. وهنا أسأل: ماذا لو قامت دولة بالاتصال بما يسمى بـ “التحالف الوطني من أجل دعم الشرعية”؟! هل يقبل الرئيس السيسي هذا الأمر؟ أم يعتبره عدواناً على السيادة المصرية؟!
طريقة عمل الرئيس السيسي من خلال تناوله قضية أهل الرباط في قطاع غزة توضح هذا الأمر؛ فقد أعلن في خطابه أمام مؤتمر الإعمار أن إعادة الإعمار تعتمد على محورين: الأول تهدئة دائمة؛ والهدنة الدائمة لا تعني أكثر من سكوت الفلسطينيين عن الرد على إسرائيل حتى لو اعتدت عليهم! وهو ما نراه اليوم في الواقع؛ فقد قامت طائرات العدو الصهيوني بغارات على خانيونس، ولم تستنكر مصر هذا العدوان الذي يناقض الاتفاق الذي رعته! أما المحور الثاني فهو تسلّم السلطة الوطنية الفلسطينية سلطتها الكاملة على قطاع غزة. وأعلن محمود عباس بعد لقاء السيسي أمام مجلس الجامعة العربية: أن لا مصالحة فلسطينية إلا على أساس ثلاثة شروط: الأول قرار فلسطيني واحد للحرب والسلم، الثاني سلاح فلسطيني واحد، والثالث سلطة واحدة على كامل قطاع غزة. يعني نزع سلاح المقاومة والاستسلام الكامل! وما زال موضوع إعادة الإعمار يراوح مكانه!
فكما نرى طريقة عمل السيسي هي دفع طرف داخلي إلى تبني ما يريد الوصول إليه. والمعارضة السورية التي لم تحقق انتصارا حاسما على أرض المعركة، تقبل بالمطلب الخليجي الذي قاله الفيصل للقيادة الروسية ورفضته، وهو مجرد إزاحة الرئيس بشار! اليوم بات الرئيس بشار رمزاً للصمود أمام البترودولارات! الخليجيون كما قال جوزيف بلاتر الرئيس الدولي لاتحاد كرة القدم (الفيفا) يتصورون أنهم يمكنهم شراء أي شيء بأموالهم! وإذا نجحوا في عزل الرئيس بشار، فهذا يعني أن ملياراتهم نجحت في تحقيق التغيير الذي ينشدونه ولو ظاهريا، ولهذا الأمر مخاطر جمة!
إن عقد مؤتمر برعاية مصر السيسي ستكون على أجندته إعتزال الرئيس السوري الرئيس بشار، ولو من تحت الطاولة، وسيكون وظيفة المفاوض الوسيط المصري هو تسطيح العملية، بوضعها في إطار معاناة الناس مقابل اعتزال رئيس! فبالأمس قالها الرئيس السيسي: أقسم بالله لو كان تَركي للحكم لمصلحة مصر فسأتركه فورا والكلام لك ياجارة واسمعي يا كنة! الدكتور بشار من موقعه الرئاسي هو حامل الراية، والكل يعلم ما أهمية حامل الراية فهو بوصلة الأمة في معركتها.
في خروج جيش المسلمين اختار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة وفال إن قُتل فجعفر وإن قُتل جعفر فعبدالله بن رواحة. بعدها يختار المسلمون حاملاً للراية! وقد تم ذلك وحين استشهد عبدالله بن رواحه، وسقطت الراية تقدم ثابت بن الأقرم من بني عجلان وأخذ الراية وعندما حمّلوه إياها رفض لمعرفته حجم المسؤولية الملقاة عليها، فاختار المسلمون خالد بن الوليد فحملها، الذي أدار المعركة بحنكة لا مثيل وتفوق على روميل في طريقة انسحابه دون خسائر!
الدكتور بشار أثار حنكة كبيرة في حمل راية الأمة والدفاع عنها. أماعن الغساسنة المعاصرين الذين يعملون لصالح الروم والصهاينة فلم يوكّلهم الشعب السوري فيمن يحمل الراية، وهو يختاره.
الخليجيون يعرفون الموقف الثابت لروسيا، لذا لا يريدون نجاح المبادرة الروسية، لذا قد يكون هذا التحرك لإجهاض المبادرة الروسية التي شغلت العالم بأسره لمنطقيتها وعقلانيتها. كما قد يكون تغطية لتمديد الحرب باعتبار أن هنالك تصالحاً يجري فقد يتراخي عندها الجيش العربي السوري. بالتأكيد ليس العامل الإنساني الذي يتخفى خلفه المنافقون هو السبب في التحرك المصري، أم أن قلب الإدارة المصرية لم يرقّ لحال مليون ونصف مليون فلسطيني تحاصرهم القوات المصرية من جهة والإسرائيلية من جهة أخرى!
هناك متطلبات للرئيس بشار الأسد لا بد منها للمشاركة، وهي مطالب شرعية: أن تعود العلاقات كاملة مع جمهورية مصر العربية وأن تتراجع عن مواقفها المشينة أيام مصر مرسي، كيف تكون مصر طرفا في الفتنة على أرض الشام وفي نفس الوقت ستكون وسيطاً؟!. ولا انتخابات قبل انتهاء الولاية الحالية، فلا يكون تغيير لحامل الراية أثناء المعركة والمعركة دائرة على أرض الشام، على أن يكون وقف إطلاق نار تام، يسمح للشعب السوري الذي هجر قراه من فعل جرائم الجماعات المسلحة بالعودة. فالمسألة ليست سلق بيض!
تسري القوانين السورية على المجرمين الذين اتصلوا بالعدو الصهيوني أو قتلوا أفراداً، وتعامل كجرائم مدنية. ولا بد من الاتفاق على جدول الأعمال. وفوق هذا يجب أن لا تتعارض مع المبادرة الروسية بل وتكون روسيا في الصورة من البداية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.