الإنتخابات النيابية في لبنان.. من يريد تطييرها؟

موقع الخنادق:

منذ فترة بدأ مشهد الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان يتحكم بمجمل القرارات وأداء الكثير من القوى بغية التأثير في خيارات الناس، والتصويب على جهات دون اخرى.

واللافت ان الجميع في لبنان يعلنون انهم مع إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها ويرفضون تأجيلها او تطييرها بأي شكل من الأشكال، لكن ثمة سؤال اساسي، هل تضمر هذه القوى خلاف ما تعلنه من رغبتها في إجراء الانتخابات؟ وهل في الواقع الجميع يريد إجراء ها في مواعيدها؟

لتحليل ومعرفة حقيقة المواقف التي تطلق حول الانتخابات لا بد من البحث في أمرين:
– أولهما صدق النوايا والخطاب السياسي لدى مختلف الاطراف.
– ثانيهما المصالح المرتبطة بالانتخابات ونتائجها بالنسبة لهذه الاطراف.

في الامر الاول: الواقع والتجربة تظهر ان غالبية القوى السياسية في لبنان بالكثير من الأحيان تضمر شيئا وتعلن شيئاً آخر، ولا يوجد إلا قلة قليلة تعلن بوضوح وصراحة ما تضمره في المواضيع السياسية الداخلية ومن بينها الانتخابات.

في الأمر الثاني لا بد من البحث في المصالح السياسية المرتبطة بالانتخابات بالنسبة لكل فريق او طرف سياسي على حدة، لمعرفة هل فعلا يريد حصول الانتخابات ام لا؟

حزب الله وحركة امل
-لو بدأنا مثلا بالثنائي الوطني أي حزب الله وحركة أمل، لعلهما من اكثر المتحمسين لاجراء الانتخابات المقبلة وهما شكّلا ماكينتهما الانتخابية ويُعدّان العدة لإجرائها في موعدها المحدد في آذار المقبل، وما يؤكد حقيقة موقفهما هو ما يستندان إليه من قوة وصلابة الكتلة الانتخابية المؤيدة لهما، فالامر على الساحة الشيعية حسب الأرقام واستطلاعات الرأي الاولية شبه محسوم، والنتيجة تصب في كل المناطق باتجاه واحد ولا مجال لاختراقها، وهذا ما يقر به الخصوم أيضاً قبل الحلفاء، فنتيجة الانتخابات المقبلة ستكون بالحد الادنى نفس النتيجة بالانتخابات الماضية مع وجود تقديرات بامكانية زيادتها في بعض الدوائر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر دائرة جبيل كسروان.

الساحة الدرزية
-على صعيد الساحة الدرزية: بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي فهو اليوم لديه كتلة تضم كل النواب الدروز باستثناء النائب طلال ارسلان (عن المقعد الدرزي في قضاء عاليه) وبالتالي له مصلحة مباشرة بعدم الخوض في غمار معركة انتخابية قد تؤدي الى خسارته المزيد من المقاعد (بعد خسارته بعضها في الانتخابات الماضية لا سيما في دائرة الشوف عاليه) في عدة دوائر ومنها دائرة الشوف، حيث يوجد بعض المخاطر بامكانية خسارة احد المقعدين الدرزيين في الشوف فيما لو تحالف الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة طلال ارسلان وحزب التوحيد العربي برئاسة وئام وهاب، وأضيفت اليهما اصوات الثنائي الشيعي والاصوات السنية الحليفة، خاصة مع تراجع “تيار المستقبل” في اقليم الخروب بالاضافة الى اهتزاز الثقة بين التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، ناهيك عن صعوبة وضع التقدمي في البقاع الغربي وبيروت، ما يؤكد ان التيار الجنبلاطي يفضل عدم إجراء الانتخابات والبقاء على كتلته الحالية.

أما بخصوص حلفاء حزب الله في الساحة الدرزية، وهم ارسلان ووهاب وفيصل الداوود وما يمثله الحزب السوري القومي الاجتماعي، فهم يفضلون الذهاب الى الانتخابات لزيادة عدد مقاعدهم لا سيما في الشوف وعاليه وبيروت والبقاع الغربي.

الساحة السنية
-على صعيد الساحة السنية: لا مجال للبحث في تراجع شعبية تيار المستقبل ورئيسه سعد الدين الحريري الغائب كليًا عن الساحة السياسية مع عدم وضوح الصورة حول مشاركته وتياره بالانتخابات من عدمه، فالتيار هو من أشد المتراجعين انتخابيا في مختلف المناطق سواء في الشمال او اقليم الخروب والبقاع وحتى بيروت، وبالتالي خوض الانتخابات المقبلة سيؤدي الى خسارته المزيد من المقاعد، وانخفاض عدد نواب كتلته كما حصل في الانتخابات الماضية.

حلفاء المقاومة في الساحة السنية
ولا شك ان حلفاء المقاومة وحزب الله في الساحة السنية وغيرهم من القوى سيرفعون من عدد النواب الممثلين لهم في الندوة البرلمانية، ومن هؤلاء اللقاء التشاوري (الذي يضم جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية وحزب الاتحاد برئاسة عبد الرحيم مراد وتيار الكرامة برئاسة فيصل كرامي) وغيره من القوى الاسلامية والوطنية التي ستكسب مقابل تراجع تيار المستقبل.

ولا بد من الاشارة الى وجود قوى اخرى تحاول ملئ الفراغ الذي قد يحدثه تراجع المستقبل في بعض المناطق، منها الحالة التي يحاول صنعها بهاء الحريري وايضا عبر حزب الحوار الوطني برئاسة فؤاد مخزومي في بيروت، واشرف ريفي في طرابلس وغيرهم ممن قد يخرج من عباءة تيار المستقبل في الشمال والبقاع.

الساحة المسيحية
-على صعيد الساحة المسيحية: قد تكون هذه الساحة الأعقد في الانتخابات المقبلة في ظل امكانية تراجع مختلف القوى فيها لا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مع بقاء اضمحلال حزب الكتائب الذي يحاول إرتداء اللبوس الاجتماعي وركوب موجة الجمعيات والمجتمع المدني، والاخير يحاول الدخول مستفيدًا من أخطاء بعض الاحزاب او تشويه صورة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل منذ “17 تشرين” حتى اليوم، ومن خلفه تشويه صورة عهد الرئيس ميشال عون، انطلاقًا من التحالف القائم مع حزب الله، وهنا لا بد من الاشارة الى التحريض الاميركي والسعودي على التيار الوطني بهدف تخسيره العديد من المقاعد لصالح أي طرف آخر من القوات او المجتمع المدني او غيرهما.

وانطلاقا من ذلك قد يعتقد التيار الوطني الحر ان تأجيل الانتخابات لأسباب تقنية او سياسية لسنة او اكثر قد يصب في مصلحته، خاصة اذا ما جرت الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، وبقيت كتلة التيار الوطني هي الاكبر على الساحة المسيحية (21 نائبا) مع ما لذلك من إعطاء زخم اكبر لايصال مرشحه الطبيعي للرئاسة النائب جبران باسيل، أما المخاطرة بخوض هذه الانتخابات قد يجعل كتلته النيابية قريبة الى الكتل النيابية للقوى المسيحية (خاصة في حال عدم قيام التيار بتحالفات انتخابية مع الحلفاء لا سيما الثنائي الشيعي والاكتفاء بتحالفات جزئية محدودة عالقطعة)، ما ينطوي على مراهنة قد تطيح بطموحات باسيل الرئاسية فيما لو عُمل بمقولة “الرئيس القوي”، وبالتالي قد يكون من مصلحة التيار تأجيل الانتخابات بدل خوضها خاصة مع تأكيد المجلس الدستوري على إجرائها في آذار بدل أيار المقبل، وعلى أساس انتخاب المغتربين للـ128 نائبًا بدل الـ6 نواب كما كان مقررا.

لكن ايضا ليس بالضرورة ان ما قد يخسره التيار الوطني الحر ستحصل عليه القوات اللبنانية او المجتمع المدني، فثمة اعتقاد بأن القوات اللبنانية انكشفت امام الساحة اللبنانية خاصة بعد جريمة الطيونة والارتماء الكبير في مخططات الفتنة التي تحاك للبنان بهدف تحصيل مكاسب مالية او سياسية او انتخابية لسمير جعجع او للقوات مجتمعة، وبالتالي فالانتخابات المقبلة قد تؤدي الى تخسير القوات المزيد من المقاعد النيابية وتعيدها الى حجهما الطبيعي الذي “انتفخ” نسبيًا خلال الانتخابات الماضية، وحازت على الكتلة الثانية مسيحيا بـ15 نائبا، وربما تفضل القوات عدم الذهاب للانتخابات بل تطييرها وتحميل مسؤولية ذلك للرئيس عون او للنائب باسيل او لحزب الله كما جرت العادة على تحميلهم مسؤولية كل ما يجري في لبنان.

المردة
أما بالنسبة لتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية وكتلته النيابية فربما هو من الاحزاب المسيحية القليلة التي تتمسك فعلًا لا قولًا باجراء الانتخابات، اولا لان لديه كتلة انتخابية مؤيدة صلبة ولا تتغير وتتبدل بتغير الظروف، وايضًا لانه يملك اليوم القدرة على رفع عدد نوابه في الشمال او في دائرة كسروان-جبيل مع بروز مؤشرات على تراجع مختلف القوى الاخرى.

الNGOs
أما بالنسبة للمجتمع المدني فبات واضحًا ان هذا الفريق الرهان عليه ليس مضمونًا حتى بالنسبة لمشغليه، والنتائج التي تظهر في انتخابات النقابات تعطي مؤشرات ان هؤلاء ليسوا فريقًا موحدًا إنما فيه “مجتمعات” مشرذمة ومشتتة كل منها يهدف الى تحقيق مصالح فرد او اكثر للوصول الى منصب او الحصول على أموال الدعم الاميركية والبريطانية والخليجية، فهذا “المجتمع المدني” قد يتمكن من إيصال عدة نواب بعضهم شخصيات سياسية خرجوا من احزاب وتيارات معروفة بعد 17 تشرين، و نواب حاليين او سابقين كنعمة افرام وشامل روكز وميشال معوض وغيرهم ممن ركبوا موجة “الحراك والثورة”، إلا ان هذا الفريق بالتأكيد لن تكون له كتلة مسيحية وازنة وموحدة تشكل خطرًا على الكتل المسيحية الاخرى.

والجدير ذكره ان هذه المنظمات شبه الحكومية المدعومة من السفارتين الاميريكة والبريطانية ودول خليجية إنما تخوض معركة الحصول على 5 مقاعد لتشكيل تكتل معارض مستقل من عشرة نواب (كما يطمحون) إذا ما أضفنا اليهم عدد النواب الذين خرجوا من احزابهم وتياراتهم وينوون الترشح كمستقلين.

ويبدو ان هذه المقاعد الخمسة تتمحور حولها المنافسة الانتخابية برمتها الأمر الذي يقلق تلك الاحزاب والتيارات (المستقبل-  التيار الوطني- القوات- التقدمي) التي تتردد بل تضمر رغبة دفينة بتطيير أو تأجيل الانتخابات خشية ان تكون الخسارة ولو جزئيًا من نصيبها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.