الصين وأميركا في عصر ما بعد الهيمنة

usa-vs-china

صحيفة الوطن العمانية ـ
زبيجنيو بريجنسكي:
اليوم، يخشى العديد من الأصوات الصراع الناشئ بين أكبر دولتين اقتصاديتين والذي سيؤدي إلى عداء بينهم. ومع ذلك لا أعتقد أن الحروب من أجل الهيمنة العالمية الآن شيء خطير في عصر ما بعد الهيمنة.
وباعتراف الجميع، فالسجل التاريخي مليء بالقتامة. فمنذ بداية السياسة العالمية قبل 200 سنة، هناك أربع حروب طويلة تدل على الهيمنة الأوروبية، فمن 1812 حتى 1815 بسبب طموحات نابليون؛ ومن 1914 1918 بسبب إحباط الإمبراطورية الألمانية؛ ومن 1939 حتى 1945 بسبب الجنون النازي الراحل؛ ومن أواخر الأربعينيات من القرن الماضي إلى 1991 بسبب طموحات السوفيتية. فكل هذه الحروب بغرض فرض هيمنتها على العالم لتكون القوة العظمى الوحيدة.
غير أن مستجدات عديدة غيرت المعادلة مؤخرا. فالأسلحة النووية جعلت الحروب من أجل الهيمنة، مدمرة جدا، وبالتالي لا معنى للنصر. فلا يمكن من جانب واحد تحقيق انتصار اقتصادي لوطن واحد في ظل اقتصادعالمي يتزايد بشكل مطرد دون عواقب وخيمة على الجميع.
علاوة على ذلك، فإن سكان العالم انتبهوا سياسيا وليس من السهل اخضاعهم حتى من أقوى دول العالم. وأخيرا وليس أخيرا، لا الولايات المتحدة الأميركية ولا الصين تتحركان بدافع الصراع الأيديولوجي العدائي.
أضف إلى ذلك، فإنه بالرغم من اختلاف أنظمتنا السياسية للغاية، إلا أن كلا المجتمعين منفتحان على بعضهما. وهذا يمثل أيضا ضغطا داخليا لكل مجتمع ضد الصراع والعداء. فهناك أكثر من 100.000 طالب شاب صيني في الجامعات الأميركية. فمن المألوف لكبار القادة الصينيين الدراسة في الولايات المتحدة. والآلاف من الشبان الأميركيين يدرسون ويعملون في الصين أو يشاركون في دراسة خاصة أو برامج سياحية. والعديد من كبرى جامعات الولايات المتحدة لديها الآن فروع لها في الصين. هذا، على عكس الاتحاد السوفياتي السابق، فالملايين من الصينيين يسافرون بانتظام إلى الخارج كسائحين والعمل مؤقت. والملايين من الصينيين الشباب على اتصال يومي مع العالم من خلال شبكة الإنترنت.
وكل هذا يتناقض بشكل كبير مع العزلة الذاتية المجتمعية للمتنافسين فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين على الهيمنة العالمية. فتعميق العزلة المتبادلة في تلك الأيام المظلمة وتنامى العداء، جعل من السهل تشويه صورة الآخر.
ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل حقيقة ان التوقعات المتفائلة مؤخرا في تحسن فى العلاقات البينية للبلدين غير التي كانت من قبل من أجل الهيمنة العالمية، كانت محل جدل عدائي اكبر وخصوصا في وسائل الإعلام من كلا الجانبين. وزاد حدة ذلك بما يدور حول مزاعم الصعود الصيني والهبوط الأميركي. ما دعا الأميركان للتشاؤم والصينيين للتفاؤل. والتشاؤم حول مستقبل أميركا يميل للحد من قدرة هذا البلد على الانتعاش الذاتي. والمتفائلون نحو الصين يقللون من قدر الفجوة بين الصين وأميركا – سواء في الناتج المحلي الإجمالي حيث نصيب الفرد أو في القدرات التكنولوجية منها. ومن المفارقات أن نجاح الصين اقتصاديًّا شدد الحاجة للتعديلات الاجتماعية والسياسية في كيفية ومدى امكانية استمرار بيروقراطية حاكمة تعرف نفسها بأنها شيوعية في توجيه نظام رأسمالية الدولة فيما الطبقة الوسطى الصاعدة تسعى للحصول على مزيد من الحقوق.
التهديدات العسكرية
وبشأن احتمال التهديدات العسكرية الصينية للولايات المتحدة الأميركية، علينا أن نضع في الاعتبار المواقع الاستراتيجية الجغرافية للولايات المتحدة الأميركية عبر حلفائها وسيطرتها على شاطئي المحيطين. هذا، على العكس من الصين المحاطة جغرافيا بدول غير صديقة دائما وتعاني ندرة في الحلفاء.
وفى نفس السياق، فإن بعض الدول المجاورة للصين ترغب في جر الولايات المتحدة الأميركية لدعمها في بعض الدعاوى أو تضارب المصالح ضد للصين. ولحسن الحظ، فإن هذه التهديدات لا يمكن أن تُحل من جانب واحد أو عسكريًّا، ولكن فقط عبر التفاوض.
وإن الأمور محل الخلاف بين الصين والولايات المتحدة الأميركية لم تُسهم في حلها وسائل الإعلام الأميركية التي تصور محاولات الإدارة الأميركية لإعادة التوازن نحو آسيا “كمحور” بما لها من دلالات عسكرية، في حين أن هذه الكلمة لم تُستخدم من قِبل الرئيس الأميركي. وتبقى حقيقة أن الجهود الاخيرة مقصود بها التأكيد بشكل بناء على الحقيقة الثابتة بأن الولايات المتحدة الأميركية قوة أطلسية وباسيفيكية.
وبأخذ كل هذه العوامل في الاعتبار، فإن التهديات الحقيقية للعلاقات بين البلدين ليست في اي نوايا عدوانية من احدهما تجاه الآخر ولكن في احتمال انزلاق آسيا إلى حمى القومية التي غذت صراعات اوروبا القرن العشرين على الموارد أو الارض او السيطرة.
وهناك العديد من نقاط الالتهاب المهمة لأخذها في الاعتبار: فكوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية، والصين ضد اليابان، والصين ضد الهند، أو الهند ضد باكستان. وإذا أطلقت هذه الدول لنفسها العنان بدافع الهيمنة الإقليمية، فإن الأمر سيخرج عن السيطرة وسيكون الجميع في خطر.
وعلى الولايات المتحدة أن تعي جيدا أن التعاون مع الصين غاية في الأهمية، وليس فقط في اعتمادها على حليفاتها اليابان وكوريا الجنوبية. وعلى الدولتين، أن لا يجعلان العداء بينهما على حساب التعاون الاقتصادي بينهم. فالمطلوب بشدة هو تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين. فعلى الولايات المتحدة الأميركية أن لا تحتكر الملاحة عبر المحيطين وعلى الصين ألا تحتكر الهيمنة الإقليمية اقتصاديًّا. ويمكن للتاريخ أن يتجنب تكرار صراعات القرن العشرين إذا جعلت أميركا من نفسها مؤسس نهضوي في المنطقة وليست رجل شرطة. وكذلك على الصين أن لا تصر على الهيمنة الإقليمية.
وعلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد اعادة انتخابه رئيسا، والرئيس الصيني الجديد “شي جين بينغ”، الذي تولى رئاسة الصين في مارس الماضي، أن يلتقيا لإزالة الشكوك وتنشيط التعاون بين البلدين. فسواء كانت هذه العلاقة بين البلدين إيجابية أو سلبية، فسيتأثر بها العالم أجمع.

زبيجنيو بريجنسكي
مستشار للأمن القومي في عهد جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية ـ خدمة جلوبال فيوبوينت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.