في قصر الأمير

imamali-shrine1

موقع إنباء الإخباري ـ
نغم حسن:

اتصال واحد غيّر الكثير من الأحداث الروتينية التي مضت عليها…
أربعة عشر عاماً من العمل دون كلل او ملل…
اتصال وقلم بحبره الاحمر غيّرا الكثير في حياتها…
طلب مديرها في العمل  لائحة بأسماء مقترحة لزيارة قصر الامير ليحلوا ضيوفاً عند امير يعشقه الكثيرين دون أن يروه … سمعوا الكثير عن خيراته وبركاته لكنهم لم يلتقوا به يوماً.
أعدت اللائحة وقُدّمت، وإذ بمداد القلم الذي بين يديه يدوّن اسمها مع زوّار أمير القلوب.
شعرت أن القلب سيقفز من بين الضلوع … تلعثم اللسان وتبخرت الأحرف في سماء طيف الأمير
هي المرة الأولى التي تشعر فيها أنها ملكت الدنيا … هي المرة الأولى التي تشعر أنها أغنى الأغنياء.. كيف لا وستزور أمير القلوب في داره… كيف لا وستشاهده للمرة الأولى؟
استكملت التحضيرات وجاء اليوم الموعود للسفر..
انطلقت الطائرة متجهة إلى قصر الأمير، بل إلى مملكته ومنطقته كلها …
انطلقت.. والمشهد لا زال كحلم آتٍ  ذات صباح خريفي..
انطلقت والقلب معلّق بين الأرض والسماء، كتلك الطائرة التي تهتز في الهواء، والروح تهوي كعاشق نظر إلى محبوبه للمرة الأولى بعد فراق.
صوت واحد أعاد إلى الحقيقة أنفاسها … “أهلًا بكم في رحاب مدينة أمير المؤمنين”، لتعلن نهاية الرحلة الجوية، وصولاً إلى المقصد الذي نتوق إليه.
حطت الرحال في تلك الأراضي …. كان لها طعم آخر…
…..
كل شيء مختلف… صحيح أنها المرة الأولى، لكن للهواء نكهة تلفح شفاهنا فنتذوق طعماً آخر … ربما اعتقد البعض بمبالغتنا لتلك المشاعر … لكن الحقيقة هي كذلك، فمهما كتب القلم لن يستطيع أن يلمس ما طرب به القلب… وما شعرت به الروح عند ملامسة تلك الأراضي….
….imamali-shrine2
بعد أن ارتاح الوفد القادم من لبنان، انطلق إلى  دار الأمير، ليشكر دعوته، ويتعرف على بعض من عطاياه.
عندما وطأت الأقدام تلك الناحية، ارتجفت القلوب وحلقت الأرواح كطائر الفينيق … كل فرد غاص في عالمه الخاص، فمن عرف الامير عن بُعد ذاب عشقاً وولهاً، ومن سمع عنه ازداد شوقاً ورغبة في التعرف على كنهه وكأنه الكنز المفقود في تلك الجزيرة النائية….
فيما البعض الآخر ممن لا يعرف صاحب الدعوة اندهش من هذا العالم الجديد والغريب، وكأن المكان في عالم غير الذي نعيشه تحت سماء الكرة الأرضية.
قبة ذهبية تتلألأ مع أشعة شمس تشرين،  ليزداد المكان رونقاً وجمالاً، ورغم توافد الآلاف نحو هذا المكان السحري إلا أن صمت الدهشة هو سيد الموقف…
هنا حيث وقفت الأجساد مشدوهة من عظمة المكان وصاحبه… imamali-shrine3
هنا تسمرت الأعين نحو هذه الزخرفات والكلمات التي تدل على صاحب المقال والمقام…
هنا نظر الجميع بانتظار أن ينطق أحدهم …ليعبّر عن بعض مما يعتريه… ولكنه الصمت المطبق وابتسامة الحلم على تلك الثغور
كيف لا… والكل بحضرة الامير… وأي أمير هذا… وأي سر هو … هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن عم الرسول محمد (ص) وزوج ابنته… وأول أئمة الشيعة، فيما هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنّة… فيما يتفق المفكرون على مرتبته العالية من الفكر والعلم والخطابة، ونهج بلاغته شاهد على عصره.
مشاعر غريبة تدفقت في العروق ليشعر بعدها كل من في هذه الزيارة أن طيف الماضي والتاريخ عاد مشرعاً جناحيه على هذا المكان. لم يستطع أحد أن يصف وصفاً دقيقاً ما شعر به …
باختصار، شعر من كان يعرفه عن بعد بالعزة والفخر والكرامة، وتمنى لو ان الزمن يعود ليشاهد أمير المؤمنين، ليكحّل عينيه بنظرة واحدة…
هرولت الروح سريعاً إلى الداخل، حيث المرقد.  ابتلّت العيون تهجداً …. وااااا إماماه وااااسيداه، جئناك ها هنا بأرواحنا نغفو عند قدميك …. نظرة واحدة منك تكفينا.
وبينما نحن كذلك، وإذ يقع نظرنا على صديقة الرحلة، المسيحية المذهب، (سارة)، اقتربت منها فقالت: أنا أيضاً أصلّي … ليس كصلاتكم لكنني أصلّي، واغرورقت عيناها وابتسمت برضا مما تشاهده لأول مرة. لم تسعفها الكلمات، لكن عيونها تحدثت عن اختلاجات قلب دون أن تعرف أسرار هذا الرجل العظيم…
لربما لم تستطع أن تلحق رفاق رحلتها بأدعية رددنها مع الشيخ صاحب العمامة البيضاء، لكنها حاولت أن تتسابق مع أنوار المكان لتحجز  مكاناً لها عند الأمير… لتعرف بعضاً مما لديه،
فكل ما في المكان جديد… الأشخاص، الكلمات، والطباع، وحتى الوجوه السمراء التي تترقب كل الوفد.

imamali-shrine4
لقد استطاعت هيبة المكان وصاحبه أن تلف الجميع بشيء من الحميمية، فالكل يصلّي على طريقته، والكل يسبّح الإله الواحد. الأرواح تتآلف فيما بينها نحو عشق تسلل إلى القلوب بأحرف ثلاثة اسمه علي.
نظرة أخرى إلى تلك الصديقة غير محجبة (نسرين)، فتراها تتمتم بعبارات سريعة تبحث عن عبارات تفي أمير القلوب حقه…
لقد استطاعت نسرين أن تجتاز كل العقبات… وصلت إلى الأمير بلسانها وصلاتها ودعائها ودموعها التي سالت على وجنتيها السمراوتين (دخيلك يا إمامو علي)…(يؤبرني)… هي تعرف كيفية الصلاة الشيعية لكنها اتقنتها بامتياز عند أميرها… بحثت بين الكتب عن دعاء الزيارة… سألت عن المستحبات، ومنديلها ينسدل على كتفها، فتطلب عوناً من صديقة رحلتها الملتزمة…
فيما النظرة الأخرى إلى (دلال) الصبية المدللة بطبعها وطباعها وإذ بها تبكي من القلب وبحرقة… ألا تعلمون لماذا!! أنا بكل بساطة عند الإمام علي، بتعرفوا شو يعني؟!!! هيدا الإمام علي… صلّت كثيراً وابتسمت كثيراً ولا تزال غير مصدقة أنها هنا في أرض مطهرة اسمها أرض أمير المؤمنين.
اختُتم اليوم الأول بالذهاب إلى المضيف التابع للعتبة العلوية… يستقبلك العشرات من المتطوعين والمنتسبين بهندامهم الأنيق وابتسامتهم التي ترحّب بكل زائر..
فأهلاً وسهلاً  بضيوف الأمير والعتبة العلوية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.