مأزق السعودية ودورها

السعودية

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ

غالب قنديل:

المحاولة السعودية للتقرب من القيادة العسكرية المصرية الجديدة تزامنت مع تصعيد لمستوى الدور السعودي المباشر في العدوان على سوريا ومع إمعان المملكة في السلوك العدائي ضد حزب الله في لبنان حيث تمنع المملكة قيام حكومة متوازنة تمثل الأطراف السياسية بعدالة ، بينما ليست المملكة السعودية ورئيس مخابراتها بندر بعيدة عن قرار محمود عباس تلبية دعوة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لجولة تفاوض جديدة مع حكومة نتنياهو ولا عن شراء القرار الأوروبي الأخير ضد المقاومة اللبنانية.

أولا ـ تواجه المملكة السعودية وضعا داخليا مضطربا وإن كان ما يزال تحت السيطرة وفقا للتقديرات الغربية لكن الكثير من الجمر ما يزال تحت الرماد والمنافذ المرشحة لاختراق اللهيب كثيرة من داخل بيوت العائلة المالكة ومن ثنايا مجتمع مركب تغزوه النزعات المعارضة وتهز معاقل الولاء الراسخة منذ تأسيس النظام القائم بجناحيه القبلي و الديني الذي كان حاضرا دائما لتقديم الشرعية باسم المذهب الوهابي والمؤسسة الدينية التي تشهد هي نفسها مؤخرا الكثير من الصراعات والتناقضات على نحو غير مسبوق .

منذ اكثر من عامين يقود إعلام المملكة والعائلة الحرب على سوريا وهو يردد وصفات الحرية والديمقراطية التي عممتها حكومة أشد الأنظمة استبدادا في المنطقة والعالم ووزعت النصائح باسمها لدولة سوريا الوطنية التي فيها دستور ومجلس تمثيلي منتخب منذ حوالي قرن من الزمان وفيها صناديق اقتراع وهي تخوض تجربة التعدد الإعلامي والسياسي حيث تأسست عشرات الأحزاب الجديدة رغم ظروف الحرب الشرسة التي كانت السعودية وقطر وتركيا أداتها الرئيسية بقيادة الولايات المتحدة والناتو، فكيف لهذه الوصفات ان تتبدد في الأثير بينما تقوم داخل المملكة أشد السلطات تخلفا ورجعية واستبدادا وكيف يمكن حجب التنوير والتثوير عن تفاعلات أكثر من ستة ملايين مواطنة ومواطن في الحجاز ونجد ينشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحوالي الثلث منهم يبشرون بالإلحاد بعدما عرفوا الدين بفتاوى الوهابية والتكفير فوجدوا في الكفر ملاذهم الاجتماعي والثقافي.

ثانيا ـ المملكة السعودية تعيش كابوسا فعليا على صعيد دورها وموقعها في المنطقة وهي مهددة كليا بالانكفاء إلى الداخل المتأزم الذي ينذر بانفجار كبير يتكهن به مخططو السياسات الغربية وبعدما خسرت رهانها على وراثة الاحتلال الأميركي في العراق فبات طريقها لإثبات الوجود هناك هو تمويل حرب إبادة قاعدية تحصد العشرات كل يوم بتفجيرات بربرية يديرها رجال بندر.

فقدت السعودية مرتكزات نفوذها دفعة واحدة في حديقتين خلفيتين : الكبرى هي اليمن حيث توارى النفوذ السعودي وتداعى وتصاعد الدور الإيراني وتنامى السباق على خطب الود من طهران بين المكونات اليمنية الكبرى من حراك الجنوب حتى الحوثية التي خاض ضدها السعوديون حربا ضارية انتهت لهزيمتهم وصولا للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي أعلن تمسكه وجماعته السياسية باسترجاع الأراضي اليمينة في نجران وأما الحديقة الصغرى فهي البحرين حيث كان دخول القوات السعودية لقمع الانتفاضة السلمية اول المؤشرات على ان أي تغيير سياسي في المعادلة البحرينية سيكون ضد النفوذ السعودي الذي حول شبه الجزيرة بجسر الكحول الشهير إلى بؤرة تصدير للآفات عدا عن كونها محطة الأسطول الخامس الأميركي أما سوريا التي خسرت فيها السعودية نفوذا تقليديا جرت مراعاته لفترة طويلة فقد أجهز انخراط المملكة الهجومي في احتلال العراق وفي عدوان تموز 2006 على فرص التلاقي مع القيادة السورية وكان واضحا ان لامكان في الهياكل القيادية السورية لمن يمثلون نفوذ المملكة والغرب من امثال نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام وسواه وبعدما تكشفت خفايا كثيرة عن مؤامرات آل سعود ضد سوريا وموقعها الحاسم في منظومة المقاومة وهو ما تنعته الرواية السعودية بالخضوع لإيران لكن الصورة معاكسة كليا فلسوريا خيارها القومي التحرري في مجابهة إسرائيل ودول الغرب الاستعماري وهي تتلاقى مع إيران على نهج الاستقلال ودعم المقاومة في وجه الهيمنة الاستعمارية الصهيونية .

ثالثا ـ انطلق الحقد السعودي على الرئيس الدكتور بشار الأسد منذ خطابه الأول في شرم الشيخ حيث لمح عجائز النظام العربي الرجعي وجه قائد شاب يتبنى نهج المقاومة ولا يساوم على مبادئه ويلاقي نبض الشارع العربي وجاءت حصيلة الاستطلاعات الأميركية للرأي لتؤكد مخاوف الملوك والمشايخ و الرؤساء بينما كان الرئيس بشار الأسد يقطع أصابع المملكة داخل سوريا عبر إنهاء المواقع التي استعملت لتوهين الإرادة الوطنية والقومية وبعدما تكشفت اختراقات كثيرة عمل عليها بعض الرموز الذين خانوا ثقة الرئيس الراحل حافظ الأسد في سنواته الأخيرة بفعل انخراطهم في شبكة من المصالح والمنافع الداخلية والخارجية منذ عقدي الثمانينات والتسعينيات تحت عباءة الشراكة الإقليمية في التعاون السوري السعودي وكذلك الشراكة مع أوروبا ومن خلال جميع مكونات ما سمي بحقبة الانفراج الغربي الخليجي في العلاقة مع سوريا والتي استخدمت لتجويف الهياكل السورية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ولاصطياد العملاء في أخطر وأوسع حملة تفخيخ للبنيان الاجتماعي والسياسي وقد تكشفت بعض مفاصلها ومساراتها المعقدة خلال الأحداث السورية الجارية ويكفي ان تكون قد تأسست في ظلها حالة التكفير والتطرف بيافطات لجان المساجد وجمعيات تدريس القرآن التي قلبها الأمر السعودي بؤرا معلنة للإرهاب والتمرد المسلح.

يظن القادة السعوديون ان رد الاعتبار لدورهم في سوريا عبر اختراق البنية السياسية للدولة من خلال عملائهم في المعارضة التي يحضرونها مع الأميركيين للتفاوض سيكون مدخلا لرد اعتبار شامل لدورهم الإقليمي عبر قيادة مساومات مربحة مع إيران في الخليج و التسلح باستمالة مصر ولذلك باتت معركة الإرهابيين في حلب قضية حياة أو موت سعودية بقدر ما هي مصيرية أيضا لحكم الأخوان في تركيا وهنا المفارقة التي تكذب الكثير من الأقاويل والأحكام المتسرعة في قراءة السياسة السعودية والدعاية الخادعة عن صعود جديد لنجم المملكة العجوز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.