2014 عام الجنون في لبنان

Jnah-Explosion-7

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ

جوني منير:

لم يكن الهجوم الانتحاري المزدوج على السفارة الايرانية في بيروت حادثاً يمكن تجاوزه بسهولة، لا من الناحية التقنية الارهابية الاحترافية، ولا من ناحية الرسائل البليغة التي حملها، ولا حتى لجهة النتائج التي أسفر عنها، ولو أنها لم تأتِ متطابقة مع ما جرى التخطيط له.

ولم تكن إيران ولا “حزب الله” ولا الدولة اللبنانية، الاطراف الوحيدة المهتمة بتشريح الهجوم الانتحاري الاول في الداخل اللبناني منذ العام 1984، تاريخ استهداف السفارة الأميركية وقوات المارينز والمظليين الفرنسيين، لا بل بدت العواصم العربية وفي طليعتها واشنطن، مهتمة جداً بالحصول على كل التفاصيل المتعلقة بما حصل، حتى بتلك التي تُعتبر هامشية، كونها تعتبر نفسها معنية بجانب من جوانب التفجيرَين لجهة تطوّر العلاقة بينها وبين طهران، اضافة لاهتمامها باستكشاف الهوية الحقيقية لمرسل الرسالة وتبيان مدى القدرة التي وصلت اليها “القاعدة” في لبنان.

وجاءت تفاصيل تنفيذ العملية صادمة للجميع لناحية الحرفية العالية لفرع لبنان في “القاعدة”. ففي الاساس جاء اختيار لبناني، وفلسطيني مقيم في لبنان، لتنفيذ العملية لإحداث أضرار تتجاوز عملية التفجير في حدّ ذاتها وصولاً الى وجود نية واضحة لتمزيق النسيج اللبناني الداخلي ودفع اللبنانيين إلى تقاتل دموي من دون هوادة لا سيما في الجنوب واقحام الفلسطينيين في النزاع.

فتنظيم “القاعدة” بمفهومه الاحترافي وليس في مفهوم الخلايا المتأثرة بأسلوبه من دون اكتساب تقنياته المرعبة، كان قد أودع معين ابو ضهر وعدنان موسى محمد بالأمانة لدى مجموعة الأسير المتحمّسة “للجهاد الارهابي” ولكن من دون أن تمتلك حرفية رجال “القاعدة”.

في أيّ حال، بدا ابن صيدا ذا رباطة جأش اكثر من زميله الفلسطيني الذي قاد السيارة المفخخة. وحسب كاميرات المراقبة، هو تصرف بهدوء وأعصاب فولاذية حين تقدّم بخطوات هادفة قبل أن يركض في اتجاه حارس السفارة قبل ثلاث ثوانٍ فقط بحيث لا تكون المدة كافية أمام الحراس ليقوموا بردة فعل. وحين عانق الحارس الواقف امام الباب دوّى الانفجار الأول وتحطمت بوابة المدخل الرئيسي للسفارة.

أما زميله، فالتوتر غلب عليه ومنعه من اكتشاف طريق ثانٍ كان يمكن سلوكه وتجاوز شاحنة المياه. والسيارة كانت مفخخة باحتراف، بحيث أُعدَّ ضغط التفجير ليرتكز على الجانب الأيمن من السيارة، أي من جهة السفارة.

في تلك الأثناء كان السفير الايراني غضنفر ركن أبادي يتهيأ للخروج من السفارة، ولكنّ التوقيت كان محض صدفة.

وقد أظهرت طريقة التنفيذ وجود مجموعات عدة لا تعرف بعضها البعض، أنجزت كل واحدة منها جزءاً من العمل: فريق المراقبة والرصد، فريق التخطيط، فريق تفخيخ السيارة وفق المواصفات المطلوبة للمتفجرة، الفريق الذي تولى استلام السيارة من مكان تفخيخها وايصالها إلى أحد الاماكن المحددة في بيروت لتسليمها، وأخيراً الفريق المنفذ الذي اظهرت كاميرات المراقبة انه انتقل من الفندق الى مكان ركن السيارة لاستلامها من خلال سيارة تاكسي.

وهذا العمل الاحترافي يدل على تجزئة العمل على مجموعات عدّة بحيث إنّ اكتشاف إحداها لا يلغي العملية او يكشف كامل تفاصيلها. وهو يتطلب تعاون عشرات الأشخاص. وهنا يظهر الاستنتاج الأول بأنّ البنية التحتية لـ”القاعدة” في لبنان أصبحت كبيرة وقوية بما فيه الكفاية. فعند اعتقال خلية حوش الحريمي في البقاع الغربي التي كانت تتولى نقل الأحزمة الناسفة ورباطات طبية مفخخة، لم يتمكن المحققون من معرفة تفاصيل كثيرة.

وعندما نجح “حزب الله” في اكتشاف سيارة الـ350 كلغ من التفجيرات المتنقلة فجراً من جرود عرسال في اتجاه مكان ما في بيروت، نفذ عملية أمنية ادت الى اعتقال سائق السيارة التي بقيت مكانها قبل أن يكتشفها الجيش اللبناني ويفكّكها. وحسب ما تردّد همساً، فإنّ سائق السيارة كان مكلّفاً بنقلها الى أحد الامكنة على أن تنتهي مهمته مع تسليم السيارة.

في النتيجة باتت القناعة كبيرة لدى المهتمين بأنّ حضور رجال “القاعدة” كبير في المنطقة المتداخلة بين عرسال والقلمون، ولكنّ مراكز تفخيخ السيارات ليست محصورة في الضرورة في تلك المنطقة، بل قد تكون موجودة ايضاً في بعض مناطق عكار وازقة طرابلس ومخيمات عين الحلوة وشاتيلا وبرج البراجنة وفق بعض المعطيات التي ظهرت. وقد تكون “القاعدة” وضعت برنامج عمل كامل لها للفترة المقبلة بحيث تُنفذ عمليات عدة جرت دراستها خلال المرحلة الاخيرة، ما يعني انّ لبنان دخل في مرحلة “جنون دموي”، وجاءت سيارة الـ 350 كلغ لتؤكد ذلك ولتشير الى انّ الوتيرة الزمنية الفاصلة بين تفجير وآخر قد لا تكون بعيدة.

وفيما بدت واشنطن مصدومة من قدرات “القاعدة” في لبنان (وهي تضع جانباً من المسؤولية على المسؤولين اللبنانيين انفسهم)، فقد عملت على اكتشاف الهوية الحقيقية لمرسل هذه الرسائل عبر “القاعدة” اذا ما وُجد، خصوصاً أنها كانت قد أبلغت الجميع حرصها على ضرورة تحييد الساحة اللبنانية عن الفوضى الدموية القائمة في سوريا.

لكنّ ايران التي تُستهدف احدى سفاراتها في الشرق الاوسط للمرة الأولى مباشرة، وجهت اشارات الاتهام نحو السعودية من خلال القذائف التي طاولت الاراضي السعودية للمرة الأولى ايضاً منذ سقوط الرئيس صدام حسين.

لكنّ المراقبين الديبلوماسيين لم يقرأوا في رسائل القذائف العراقية رداً على اعتداء بيروت، بل اشارة الى انّ إيران باتت تعرف الجهة الآمرة، ويخشى هؤلاء الديبلوماسيون من ردّ ايراني قريب، بدا أنه حتمي ولا مفرّ منه وسيكون بحجم رسالة بيروت، ويهدف لمنع تكرار رسائل مشابهة في المستقبل.

وايّاً تكن الصورة، تبدو الاسابيع المقبلة قاتمة خصوصاً انّ الغرب، القلق من تنامي قدرة المتطرّفين في سوريا، بات مستعداً للتعامل مع “الشيطان” للقضاء على هؤلاء الذين يضمّون في صفوفهم نحو 1500 عنصر يحملون جنسيات غربية لا احد يريد عودتهم. في المقابل، يبدو إصرار السعودية على اسقاط النظام السوري أولوية لديها على ايّ شيء آخر. وامام إقفال الحدود التركية والاردنية وصعوبة الحدود العراقية، تبدو الحدود اللبنانية الممرّ الوحيد الى الداخل السوري لمدّ الفصائل التي تقاتل النظام بالامدادات المطلوبة، وهو ما يعني في المحصلة أنّ الحرب في سوريا طويلة وأنّ الساحة اللبنانية دخلت الاعصار السوري المجنون، وانّ الاتفاق الايراني مع الدول الست يفاقم التوتر والعنف في هذه المرحلة على الاقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.